التعليم الثانويالسنة الثالثة ثانوي
مقالة فلسفية : المقارنة بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي
مقالات فلسفية 3 ثانوي للشعب العلمية بكالوريا 2020
الإشكالية الأولى : المشكلة و الإشكالية
عنوان المقالة : المقارنة بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي
الفلسفة – السنة الثالثة ثانوي للشعب التالية :
علوم تجريبية – رياضيات – تقني رياضي – تسيير و اقتصاد – لغات اجنبية
مقال مقارنة بين السؤال العلمي و الفلسفي خاص بالشعب العلمية و اللغات الأجنبية
السؤال: قارن بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي؟
ميز بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي؟ ما أوجه التداخل بين السؤال الذي يطرح حول أصل الكون والآخر الذي يطرح حول مكونات الذرة؟ما طبيعة العلاقة الموجودة بين السؤال القائم على التجربة و السؤال القائم على التأمل العقلي؟ قارن بين المشكلة العلمية و المشكلة الفلسفية؟
مقدمة:(طرح المشكلة)
يتميز الإنسان بفضوله المعرفي الدائم و سعيه المتواصل لإدراك الحقيقة و تحصيلها و ذلك لن يتأتى له إلا من خلال التساؤل و الإستفسار فالسؤال هو المفتاح الأساسي لبلوغ المعرفة و هو متعدد تبعا لتعدد مجالاتها ومن بينها السؤال العلمي الذي يهتم بالمواضيع المحسوسة و السؤال الفلسفي الذي يهتم بالمواضيع المجردة
وقد أثارت طبيعة العلاقة بين السؤال العلمي و الفلسفي مشكلة بين الفلاسفة و المفكرين حيث تساءلوا حول أوجه و نقاط التشابه و التباين بين السؤالين العلمي و الفلسفي و مواطن التداخل بينهما.
و على إثر هذا فإن الإشكال الذي يمكننا طرحه هو : ما الفرق بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي ؟ أو بمعنى آخر هل الإختلاف بين السؤال العلمي و الفلسفي ينفي وجود أي علاقة بينهما ؟
العرض :(محاولة حل المشكلة)
أوجه الإختلاف:
إن المقارنة بين السؤال العلمي و الفلسفي تتطلب أن نبدأ بأوجه الإختلاف و التي تتمثل فيما يلي:
أ-من حيث الموضوع: السؤال العلمي يبحث في قضايا جزئية و فرعية فكل علم يختص بدراسة نوع معين فهو يتناول ظواهر الوجود من زوايا متفرقة فمثلا الفيزياء تبحث في الوجود باعتباره ظواهر مادية، والبيولوجية تبحث في الوجود باعتباره ظواهر حية.والرياضيات تبحث في الوجود باعتباره كما متصلا ومنفصلا. بينما السؤال الفلسفي يبحث في قضايا و مسائل كلية و عامة ترتبط بالإنسان فموضوع الفلسفة الأول هو الوجود الإنساني من مختلف جوانبه
ب-من حيث المجال:السؤال العلمي مجاله عالم الطبيعة أو الظواهر الحسية التي تقبل الملاحظة مثل الظواهر الفلكية ،الفيزيائية، الكيميائية و البيولوجية أما السؤال الفلسفي فمجاله الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة و يقصد بها العلم الذي يتأمل في الموجودات اللامحسوسة التي ترتبط بحياتنا و لا نستطيع التعرف عليها بالحواس مثل “الحرية العدالة السياسة الأخلاق”
ج-من حيث الهدف:يهدف العالم إلى معرفة العلل و الأسباب المباشرة التي تتحكم في الظواهر من أجل التنبؤ بها مستقبلا و السؤال الذي يحاول أن يجيب عليه العالم هو:كيف تحدث الظواهر؟ فالباحث في الفيزياء يتساءل كيف تسقط الأشياء؟ و الباحث في البيولوجيا يتساءل كيف تحدث عملية التنفس؟ كيف تحدث عملية الإبصار ؟كيف تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء ؟
في حين يهدف الفيلسوف إلى معرفة العلل و الأسباب الأولى لجميع الموجودات والأشياء والسؤال الذي يطرحه الفيلسوف هو :ماذا وراء الأشياء؟ لماذا تحدث الأشياء؟ فهو يهتم بمصير الإنسان ووجوده ككل مثل ماهو أصل الوجود؟-هل وجد هذا الكون من شيء ،أو من لاشيء ؟-هل هو قديم أم حديث؟-هل هو روح أم مادة؟- ماهو مصير الإنسان ؟فهو أشد تعقيدا لأنه يطرح قضايا تفوق قدرة العقل البشري راسل ” العلم هو ما نعرفه و الفلسفة هي ما لا نعرفه”
د-من حيث المنهج: العلم يعتمد على المنهج التجريبي الإستقرائي الذي يتكون من “الملاحظة، الفرضية، التجربة “للوصول إلى قوانين ثابتة يعبر عنها بصيغ و قضايا رياضية لأنه يتعامل مع المحسوسات التي تتوفر فيها إمكانية التجريب يقول كلود برنارد” إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنتطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا”
أما الفلسفة فتعتمد على المنهج العقلي التأملي الذي يعتمد على الحجج و البراهين العقلية و المنطقية وفق خطوات ثلاث هي :ضبط التصور، ضبط المشكلة، ضبط الموقف و البرهنة عليه ،فمسألة الحرية والسعادة والعدل ،مسائل لا يمكن أن ندخلها المختبر وإنما نفكر فيها بإعمال العقل.
ه-من حيث النتائج: إن العلم يوصلنا إلى حقائق و نتائج موضوعية و دقيقة و قوانين ثابتة يتفق عليها مختلف العلماء لأنها تحتكم إلى التجربة بينما نجد إن النتائج في الفلسفة دائما ما تكون غير متفق عليها بين الفلاسفة حيث تغلب عليها الذاتية لأنها تعبر عن مواقفهم الخاصة من الحياة و تعكس الظروف السائدة داخل مجتمعاتهم.
أوجه التشابه:
إن أوجه الإختلاف الموجودة بين السؤال العلمي و الفلسفي لا تنفي وجود أوجه تشابه بينهما و المتمثلة في مايلي:
إن كل من السؤال العلمي و الفلسفي يعبر عن جهل الإنسان وحاجة عقله إلى المعرفة و يشكلان عائقا لابد للإنسان من تجاوزه و يثيران فيه القلق و التوتر و الدهشة
كلاهما مفتاح إلى المعرفة و الوصول إلى الحقيقة فالفلسفة تعني بطرح الأسئلة و البحث عن إجابات مقنعة لها و كذلك العلم
كل من السؤال العلمي و الفلسفي عبارة عن إستفهام و تساؤل يطرحه الإنسان في قضية من قضايا الوجود التي تفرض عليه البحث عن جواب و حل مقنع لها
كلاهما يتجاوز المعرفة العامية الساذجة فالعالم و الفيلسوف يطرحان تساؤلات لا يفهمها و لا يطرحها كل الناس لأنها تتطلب مستوى علمي و فكري عالي فالتساؤل حول حقيقة الكون و مصير الإنسان وطبيعة القيم و كذا حول أسباب حدوث الظواهر الطبيعية و الفلكية لا يطرحه كافة الناس
كلا من الفلسفة و العلم لهما موضوع و منهج و يصلان إلى نتائج
كل من السؤال العلمي و الفلسفي يتطلب من الإنسان بذل جهد فكري كبير و يأخذ منه وقت طويلا حتى يصل فيه إلى نتائج ترضيه فقد أخذ إختراع المصباح من توماس إديسون زمنا طويلا حيث أعاد التجربة آلاف المرات قبل أن يبلغ هدفه و كذلك سقراط فقد أمضى حياته كاملة في محاربة المغالطات السفسطائية
مواطن التداخل:(طبيعة العلاقة بينهما)
إن نقاط التشابه الموجودة بين السؤال العلمي و الفلسفي تقودنا إلى ضبط العلاقة الموجودة بينهما إذ رغم التمايز و الإختلاف الموجود بينهما إلا أن العلاقة التي تجمعهما هي علاقة تكامل و تداخل و تأثير متبادل :فالسؤال العلمي يحتوي على جانب فلسفي و السؤال الفلسفي غالبا يطرح أحيانا قضايا مرتبطة بالعلم ،فالفلسفة دائما ما تصحح مسار العلم و تنتقد سلبياته وتكشف عيوبه وتعيد توجيهه نحو المسار الصحيح و هذا ما تمثل في مبحث الإبستمولوجيا ” يقول هيجل ” الفلسفة تأتي في المساء بعد أن يكون العلم قد ولد فجرا ” و يقول ويل ديورانت ” الفلسفة بدون علم عاجزة و العلم بدون فلسفة مدمر”
كما أن عديد من الأسئلة والقضايا الفلسفية التي كانت تؤرق كاهل الإنسان إتخذها العلم مواضيعا له و أجاب عنها مثل قانون الجاذبية لذلك يقول راسل ” الفلسفة تسأل و العلم يجيب” كما أن المنهج التجريبي الذي أصبح يميز العلم عن الفلسفة هو من إنتاج الفلسفة حيث وضعه أسسه الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون
الرأي الشخصي: و من وجهة نظري الشخصية فأنا أرى أنه رغم الإختلاف الذي أصبح موجودا بين العلم والفلسفة موضوعا و منهجا و هدفا إلا أن العلاقة التي تربط بين العلم و الفلسفة هي علاقة تكاملية فكلاهما ميزة إنسانية تعبر عن قدرة الإنسان على التفكير و تجاوز الجهل و بلوغ المعرفة فإذا كان العلم في زمن الفلسفة جزء لا يتجزأ منها فإننا نجد في زمن العلم أن أغلب العلماء لهم رؤى و أفكار فلسفية
خاتمة:(حل المشكلة)
و في الاخير يمكن القول ان السؤال العلمي و السؤال الفلسفي تجمعهما علاقة تكامل وظيفي فكلاهما مرتبط بالإنسان و يخدم جانبا من جوانبه فالعلم يخدم الجانب المادي لحياة الإنسان وذلك من خلال الإفرازات العلمية والتكنولوجية التي جعلت حياة الإنسان ميسورة و الفلسفة تخدم الجانب الروحي للإنسان و ذلك من خلال الإصلاحات التي حققتها على الصعيد الإجتماعي و الديني و السياسي فلا يمكن تصور علم بدون فلسفة ولا فلسفة بدون علم و هذا ما عبر عنه لوي ألتوسير فكلاهما يحتاج الآخر و يساهم في تطوره لأنهما يمثلان وجهان لعملة واحدة لذلك يقول يقول وايتهد “هناك مشروعية للفلسفة و العلم معا و في وسع كل منهما أن يعين الآخر “
الأستاذ بلعربي.
تعليقات FaceBook